مراحل الأزمات الاتصالية

في 25 مايو 2020م استفاق العالم على حادثة وفاة المواطن الأمريكي جورج فلويد، والذي أصبح حديث الساعة بعد وفاته نتيجة فيديو وصفه البعض بالتمييز العنصري عندما تم القبض عليه من قبل شرطي من ذوي البشرة البيضاء بعد أن جثى بركبته على رقبة جورج ليفارق بعدها الحياة. أثناء الحادثة التقط بعض المارة مقطع فيديو يوثق الحادثة وانتشر هذا المقطع كالنار على الهشيم على وسائل التواصل الاجتماعي. وازداد وتيرة الانتشار سرعة تداول المقطع على نطاق دولي حتى أصبحت وكالات الأنباء العالمية تتابع لحظة بلحظة الأحداث المتسارعة التي رافقت الحادثة.

وبالنظر إلى الرسم البياني أعلاه وبالرجوع إلى مثال حادثة جورج فلويد فالحدث كان على نطاق محلي (مدينة مينابولس بولاية إنديانا) ومن ثم تداول المقطع على نطاق أعلى وهو النطاق الوطني في هذه الحالة على مستوى الولايات المتحدة ولم يتوقف إلى هذا الحد بل اتسع رقعة تفاعل الجمهور ليصل إلى النطاق الدولي. إذا ما نظرنا إلى هذه الحادثة من منظور اتصالي فإنه يمكننا تفصيل التعامل مع الأزمات الاتصالية إلى ثلاثة مراحل وهي المراحل التي تمر فيها أي أزمة اتصالية مهما كانت طبيعة عمل المؤسسة التي تعمل فيها.

المرحلة الأولى: بداية الأزمة

وهي المرحلة التي تسبق العاصفة حيث ينطلق شرارة الانتشار من هذه المرحلة ويتشكل قوة وطبيعة الأزمة الاتصالية بحدوث حدث اتصالي وتنقسم هذه المرحلة إلى قسمين قسم مرحلة الاحتمالات بحدوث حادث أو أزمة والقسم الأخر هو بداية انطلاق الأزمة.

المرحلة الثانية: مرحلة الأزمة

وهي المرحلة التي تصبح الحدث الاتصالي إلى قضية الساعة إذا ما تم احتواؤه في المرحلة الأولى ولكل أزمة هناك ما يسمى بذروة الأزمة وهي أعلى قمة أو مستوى يمكن أي أزمة الوصول لها بطبيعة ونوع الأزمة بالإضافة إلى طبيعة الجمهور المتفاعل مع الأزمة.

المرحلة الثالثة: نهاية الأزمة

أو في بعض الأحيان يسمى بمرحلة ما بعد الأزمة وهي المرحلة التي يتقلص فيها مستوى تفاعل واهتمام الجمهور مع الأزمة وفي غالب الوقت

كما أن لكل مرحلة من مراحل الأزمة الاتصالية، هناك نطاق لتداول الأزمة بحسب طبيعة الأزمة، فعلى سبيل المثال قد يكون نطاق الأزمة الاتصالية في مؤسسة صغيرة على ثلاث نطاقات النطاق الأول على مستوى قسم في المؤسسة ومن ثم على مستوى إدارة عامة في المؤسسة ومن ثم قد تصل ذروة الأزمة الاتصالية على مستوى المؤسسة بجميع أقسامها وإداراتها. وعلى نفس المقياس قد يكون الأزمة على مستوى مدينة صغيرة ومن ثم تصل إلى المستوى الوطني وربما قد تصل إلى مستوى أوسع وأشمل ليشمل النطاق الدولي. وحتى نتفادى اتساع رقعة الأزمة ومستوى التفاعل وحتى لا تصل إلى مراحل أعلى. يجب علينا كأخصائيين اتصال بناء خطة للأزمة الاتصالية يتم تفعليها عند حدوث حدث اتصالي، مع العلم أن بناء خطة للأزمات الاتصالية أمر ضروري وحتمي في أي مؤسسة سواء كان في القطاع الحكومي أو الخاص أو حتى القطاع الثالث (القطاع الغير ربحي).

التفاعل عند الأزمات الاتصالية

بالنظر إلى أحداث كورونا مع نهاية عام 2019م في الصين وإنتشارها المتسارع حول العالم، كان الإعلام هو سيد الموقف حيث باشرت دول العالم عبر قنواتها الرسمية بنشر بيانات صحفية ترفع من مستوى الوعي المجتمعي حول الفيروس. وجميعنا يتذكر أول حالة اشتباه بفيروس كورونا في المملكة في يوم 2 مارس 2020م وتصاعد وتيرة الوباء بشكل متسارع والحاجة إلى مواجهة فيروس كورونا عبر الرسائل التوعوية من خلال القنوات ووسائل الإعلام بضرورة الحفاظ على “التباعد الإجتماعي” وهو مصطلح استحدث خلال أزمة كورونا. 

من الملاحظ خلال تلك الأزمة بأن وتيرة التفاعل والظهور الإعلامي بدأ تدريجياً عبر القرارات السامية الكريمة ومن خلال الأخبار الحكومية عبر حسابات التواصل الاجتماعي، ومع وصول الأزمة إلى ذروتها وتطبيق حظر التجوال فكانت الوسيلة الأمثل لإيصال المعلومة وتحديث المجتمع هو عبر المؤتمر الصحفي للمتحدث الرسمي لوزارة الصحة عبر قنوات ووسائل الإعلام الرسمية، بمرافقة متحدثين من وزارات وجهات مختلفة يتم من خلالها تغذية المجتمع بأهم الإجراءات والإحترازات التي تقوم بها الدولة ليس لمكافحة العدوى فقط بل لبث رسائل إيجابية وتحفيزية 

استجابة المنظومة الاتصالية لأزمة كورونا كمثال:

  • المواقع الإلكترونية

أغلب المواقع العالمية ومنها المؤسسات الخاصة أو الحكومية خصصت صفحة إلكترونية كاملة للتعامل مع الأزمات الاتصالية للوباء العالمي كورونا، فجامعة كاليفورنيا – لوس أنجلوس على سبيل المثال خصصت صفحة إلكترونية كاملة لتوعية الطلاب والطالبات للوقاية من كورونا. في حين خصصت كذلك شركة الشحن “DHL” صفحة إلكترونية لتوعية جمهورها المستهدف بالخطوات التي تقوم بها الشركة لتأمين الشحن والحفاظ على توقيت إيصال الشحنات إلى أصحابها في الوقت المحدد.

  • وسائل التواصل الاجتماعي

أغلب المؤسسات والجهات الحكومية استخدمت قنوات ووسائل التواصل الاجتماعي كقناة لنشر جميع منتجاتها التوعوية حيال أزمة كورونا، حيث خصصت تلك المنصات  سياسة لآلية التفاعل مع أزمة كورونا. تويتر على سبيل المثال حذرت الحسابات المضللة عن سياسة للحد من انتشار الشائعات حول كوفيد-19 من خلال صفحة أعلنت من خلالها آلية التأكد من المعلومات المنشورة حول الوباء. كما هو الحال مع محركات البحث فـ “Google” على سبيل المثال أتاحت عبر نتائج البحث لأي شخص يبحث عن كلمة كورونا نتائج بحث سريعة لمواقع إلكترونية موثوقة المصدر.

  • قنوات التلفزيون والراديو

أغلب قنوات التلفزيون والراديو كان لهم دور كبير في نشر الوعي المجتمعي حيث أتاحت برامج متخصصة استضافو فيها مجموعة من الأطباء والاستشاريون لتوعية المجتمع بأخر مستجدات كورونا بالإضافة كانت القناة الوحيدة لنشر وقائع المؤتمر الصحفي للمتحدث الرسمي لوزارة الصحة، كما أتاحت الفرصة خلال الأزمة لنقل رسائل إيجابية عن الدور الحكومي المقدم للمجتمع خلال الأزمة عبر إرسال رسائل مباشرة مثل البرامج التي نقلت وقائع نقل أولى شحنات الأدوية المتعلقة بوباء كورونا بالإضافة إلى البرامج التي نقلت الجهود الحكومية للأمن الغذائي خلال الأزمة وغيرها من الأمثلة.

وبالنظر إلى النقاط الثلاثة المذكورة للقنوات الإعلامية التي استخدمت أثناء جائحة كورونا فإن استخدام تلك القنوات كانت تدريجياً وبحسب مراحل الأزمة ومدى خطورتها والصدى الذي يطمح إليه المرسل إيصاله للمستقبل (الجمهور المستهدف) فإن كان النطاق واسع فكانت القنوات ووسائل الإعلام التقليدية هو السبيل الأمثل لإيصال المعلومة.

لذا فإن التعامل مع أي أزمة اتصالية يجب الأخذ في الاعتبار المراحل الثلاثة التي تمر بها الأزمة ولكل مرحلة من المراحل الثلاثة أدوات ووسائل تختلف من الأخر  بحسب نطاق ومستوى الأزمة الاتصالية التي تمر بها كل حالة على حدا. فليس من المنطق أن يكون هناك مؤتمر صحفي لأزمة لم تصل إلى ذروتها فالضرر هنا أكبر حيث سيتم ايصال رسالة جماعية لفئة قد تكون غافلة عن الأزمة ويصبح لها دراية عن الأزمة وقد تتفاقم تلك الأزمة بمجرد وصول المعلومة إلى جميع فئات المجتمع.

الأزمة الاتصالية تحدث نتيجة خطأ بشري أو غياب معلومة لدى الجمهور المستهدف فعلى سبيل المثال إن كانت هناك خطة إعلامية (ترويجية) لتوعية المجتمع عن منتج ما وكان الأثر لتلك الحملة هو وصول رسالة إعلامية خاطئة فإنه يجب عند وجود أي حملة أو نشاط إعلامي أن يكون ضمن الخطة الإعلامية قسم كامل للأزمة الاتصالية وطرق معالجتها  أو التفاعل معها، بحيث يمكن تدارك الأزمة في مراحلها الأولى قبل أن يتفاقم الأزمة . على سبيل المثال من هو المتحدث الرسمي عند وقوع أزمة هل هناك درجات متفاوتة للظهور الإعلامي عند وجود أزمة  اتصالية؟ أو ما هي الوسيلة الرسمية التي ترى الشركة بأنها مناسبة لإيصال المعلومة لجمهورها المستهدف؟

مقالات اخرى: