أبها،السعودية
حوار المتصوفة مع إبليس
بين الواقع و الخيال
فيما يعتقد أن(الزار) هو تلبس الجن في نفس الإنسان الذي يندمج بالرقص في مناسبة معينة خلال سماع الموسيقى القوية، يرى الطب النفسي ما يخالف هذا الاعتقاد السائد في معظم الدول العربية، مفسرا إياه بأنه حالة من الإنفصال عن الواقع Trans Dissociative State، وذلك وفقا للإستشاري الدكتور بديع خلف، الذي يضيف أنها حالة بين الوعي الكامل وغياب الوعي التام فهي subconsciousness. 
ابتعاد عن المؤثرات 
يوضح الدكتور خلف أنه كانت هناك حلقات تنتشر بين رجال الصوفيين وسط مراقبة لفيف من الناس، وعند زيادة الحركات، فإنه تدريجيا يفقد الشخص درجة من الوعي وليس وعيه كاملا، ويمثل هذا الأمر بالنسبة للشخص نوعا من الشفاء.
ويضيف أنه خلال هذه الحالة، فإن الشخص يشعر بالإحلال والابتعاد عن المؤثرات الخارجية فيركز على الأمور الداخلية أو الباطنية، مبينا أن الشخص يريد الإندماج، فهناك أشخاص لديهم قابلية للاستجابة للإيحاء وتسمى شخصيات هستيرية، أما غيرهم فيصعب عيلهم الإندماج بهذه الصورة لعدم القابلية السريعة والسهلة.
ويتطرق الدكتور خلف إلى التنويم المغناطيسي لأنه يتم في الطب النفسي توجيهه بإيعاز إلى مراحل معينة في حياة المريض ليسترجع الذكريات أكثر عمقا لأنه في حالة الوعي تكون هناك معوقات تمنعه.
في دول الخليج
يوضح الدكتور خلف أنه كانت هناك حلقات تنتشر بين رجال الصوفيين وسط مراقبة لفيف من الناس، وعند زيادة الحركات، فإنه تدريجيا يفقدالزار في عرف بعض المناطق في دول الخليج هو جني يتلبس الإنسان بسبب العين أو بسبب السحر أو بسبب العشق أو غيرها من أسباب التلبس، ولكن غالب التلبس بسبب العين. ويردد البعض أن هذا الجني يحضر على من هو في جسده ويرقص عندما يضرب له بالدف وبغناء مخصوص يعرف في بعض المناطق بالسامري في نجد والشرقية والخبيتي في المناطق الغربية والزيران في نجران (جنوب السعودية).
وسيلة ترفيه
في ظل انعدام وسائل الترفيه في الخمسينات والستينات الهجرية وما قبلها في المدن الكبيرة انتشر حينذاك ما يعرف بحلقات أو حفلات الزار التي تقام في مناسبات الزواج والختان والأعياد،
وكأنشطة شبابية لمجرد الترفيه وتكون غالبا ليلة الجمعة، بعد أن تتحول من طقس عقائدي إلى حيلة إجتماعية لممارسة عمل ترفيهي كان يحتاج إليه المجتمع نساء ورجالا ممن يجيد هذا اللون، ويندمج بالرقص الهستيري والحركات التمثيلية، وهي عوامل الإثارة الرئيسة في هذا اللون تؤدى في الغالب على إيقاعات الدفوف الصاخبة، وأضواء الفوانيس أو "أتاريك القاز". وتنتهي مرحلة التسخين وتبدأ ساعة النشوة وحينها يسقط مغشيا على الشخص ويخبط رأسه بالأرض أو يتمرغ على التراب.يسقط مغشيا على الشخص ويخبط رأسه بالأرض أو يتمرغ على التراب.وهي عوامل الإثارة الرئيسة في هذا اللون تؤدى في الغالب على إيقاعات الدفوف الصاخبة، وأضواء الفوانيس أو "أتاريك القاز". وتنتهي مرحلة التسخين وتبدأ ساعة النشوة وحينها يسقط مغشيا على الشخص ويخبط رأسه بالأرض أو يتمرغ على التراب.يسقط مغشيا على الشخص ويخبط رأسه بالأرض أو يتمرغ على التراب.
ملاذ من الضجر
في ظل انعدام وسائل الترفيه في الخمسينات والستينات الهجرية وما قبلها في المدن الكبيرة انتشر حينذاك ما يعرف بحلقات أو حفلات الزار وتتنافس العديد من الفرق في جدة والرياض ومكة والأحساء ووادي الدواسر، ومدن أخرى على اجتذاب الجماهير التي تحتشد عادة للاستمتاع بهذه الرقصات المصاحبة للسامري، ويبحثون أو يتناقلون أخبار فرق زار مشهورة على طريقة تناقل مباريات النوادي الرياضية، وتجد في أحضان هذا اللون ملاذا ضد مشاعر الضجر وسأم الحياة اليومي.
راقص الزار 
كان لأغلب الحارات في المدينة الواحدة فرقة أو عدة فرق تختار إحدى الساحات القريبة من المناسبة مكانا للحفلة، أو تقوم بإغلاق أحد الشوارع العامة ورشه بالماء بقيادة راقص الزار، وهو يضع خاتما بفص بارز في إصبع يده يسمى "الزيران" حيث يلتفت هذا الراقص إلى الجماهير حوله لحظة بدأ الحفل، ويحذرهم أولا من نطق بعض الألفاظ التي قد تحول دون استحضار الزار، وهروبه، أو قيام أحد من الحضور بوضع يده في الأخرى والأصابع متشابكة لأن هذا يعيق حضور الزار، وبالتالي غضبه من صاحب الأصابع المشتبكة.
يبدأ بعد ذلك مرحلة التسخين لرقصته الهمجية على صخب الطبول الهادرة للوصول المنتظرعندما يسقط مغشيا عليه يخبط رأسه بالأرض، أو يتمرغ على التراب وهو في حالة تصلب جسدي ورعشة قوية إلى أن تصيح الأفواه الفاغرة من حوله "خلاص شيلوه" قبل أن يقوم أحدهم بنزع الخاتم من يده لقطع الاتصال بينه وبين عالم الزار.
الحالة هذه قد تمتد إلى أحد أو بعض الجماهير المتفرجة والمندمجة في الدور، فيسقط هو الآخر، وتجتاحه نوبة من الهستيريا والصراخ والتشنج بنفس الطريقة التي مر بها راقص الزار؛ فيستبشرون بمولد موهبة جديدة.
زار النساء
الوضع في النساء مختلف تماما، فهو عبارة عن حفل ترفيهي أو علاجي يتوافق فيه دهاء النساء مع المصلحة لتحقيق مكاسب جيدة على المستوى الشخصي، وتم رصده بدقة من قبل بعض المستشرقين الذين زاروا الحجاز قديما ومنهم الهولندي الدكتور جرونيه، وهو يذكر أولا أن الزار المتلبس في الجزيرة العربية يتملك النساء في العادة، أما الرجال فمحصنون ضده، وفي الغالب نسمع قصصا عجيبة، إنه يتحدث الزار المتلبس بلغة لا تفسر إلا بواسطة الكدية أي "شيخة الزار"، ومعناه في اللغة "المتسولة" عندما يعلن تلبية طلباتها المتكررة، واستعداده لمغادرة جسد المريضة في يوم معين عند أداء الاحتفالات المعتادة بعد الاستجابة لشروطه، فيطلب على لسانها مثلا فستانا جميلا جدا، وحلي ذهبية أو فضية وكل ما يخطر على البال من الحلي واللباس للفتاة المصروعة.
تعاويذ وطقوس
طرد الزار ليس أقل كوميديا من aمجيئه كما يقول المستشرق الهولندي، لذلك أصبح استخراج الزار أو طرده على سبيل المثال في مكة عام 1885 يتم عبر التوفيق بين المعتقدات وخليط من عدة رقى أو تعاويذ وطقوس مع إضافات عشوائية، فالمرأة التي يتلبسها الزار ترتدي الأزياء التي يطلبها هو، وتضرب إماء الشيخة "الكدية" على الطبول إيقاعات سحرية غريبة، وتمسح جسم المريضة حسب أصول معينة، ويعقب ذلك كل أنواع الأداء الغريبة التي تجعل هذا الاحتفال غير مستساغ بالنسبة للعالم الورع، فمثلا يذبح خروف ويلطخ جبين المريضة أو أجزاء أخرى من جسمها بالدم، ويجب على المرأة المريضة أن ترقص أو تحرك جسمها الى الأمام والخلف أو تقع على الأرض مغشيا عليها، وهكذا تأتي اللحظة المناسبة لتقول الشيخة هامسة: لقد تركها الزار، ويحدث أحيانا ألا تحدد هذه المرحلة إلا بعد ليلتين أو ثلاث ليال، مما يزيد بهجة السيدات المدعوات وتصيب حمى الرقص في بعض الحالات كل المجموعة،وهذه ظاهرة يختلط فيها قليل من العدوى الحقيقية بكثيرمن الهزل "كأن تسقط إحدى المدعوات".
الفن الشعبي
دخل طقس الزار إلى كل بلاد العرب بلا استثناء حتى أوروبا، فضلا عن وجوده في الحبشة التي تعد مهده الأول وبين زنوج إفريقيا، وهناك تشبيه بين ما يقوم به راقص الزار في الجزيرة العربية وبين طقوس الكنيسة وفق ما تذكر بعض الدراسات، إلا أن الاختلاف يكمن في مصدر الإثارة الذي يعتمد في طقوس الكنيسة على الإلقاء الدرامي أو غناء "الكورال" الذين يؤدون التراتيل الكنائسية، أما في الزار مثلما هو موجود عند العرب وفي الجزيرة، فتعتمد الإثارة على الموسيقى الصاخبة وغناء السامري، ومن هنا فإن ارتباط أغاني السامري برفقة الزار حديث عهد بالجزيرة العربية بالذات الخليج العربي، وهو على كل حال أدل الطقوس الاعتقادية على بدائية الفن الشعبي.
آثار اجتماعية
يبين الإخصائي الاجتماعي عبدالله المالكي لـ"الوطن" أن الزار يحتمل أكثر من معنى، ولكن الأقرب لهذا المسمى كما جاء في معجم المعاني زأر أي صوّت وصاح من صدره وهذا وصف لمن شاهد هذه الحالات أمامه من تغيّر لصوت الراقصين أمامهم معتقدين أنه صوت جان ينطق بلسان إنسان.
ويتابع "أما ما يخص انتشاره لدى فئة دون أخرى فهذا خطأ فلا ربط بينه وبين لون بشره أو عرق أو غيرها فهي حالة نفسيه وتسمى علميا وطبيا اضطرابات التفارقيه الانشقاقية وهنا يقع اللوم على المختصين في علم النفس بعدم شرحها ووصفها كما يجب".
ويوضح "هذه الظاهره انتشرت في بلاد المسلمين بكثره فهو منتشر في مصر والسودان والمغرب العربي والعراق والحبشة التي تعد مهده الأول ومنها وفدت إلينا في القرن الـ19 عن طريق الحبوش، وكانت بلعبة المزمار بشكل غريب في طريقتها وكلماتها غير مفهومة، مما جعلها مرفوضة في المجتمع المكي حينها وتم طردهم وسجن بعضهم".
ويستطرد "لها لدينا عدة مسميات ومن أهمها الاستنزال وأكثرها شهرة وكثير ما تربط بلعبة السامري وهذا خطأ لأنها متواجدة في جميع الرقصات، وتكون لها أغاني بطريقة مخصصة في قرع الطبول وترديد كلمات غير مفهومة، وعندما يصاب بحالة إغماء يقومون عادة بتخليص المصاب بهذه الهستيريا بثلاث طرق منتشرة. إما شق الساق كي ينزف دم أو إمساك إصبعه الخنصر ليده اليسرى بإحكام تام أو عزف أغنية معينة حتى يفوق من هذه الحالة".
ويختم بالقول "كثير ما يثير الحيرة من راقصي الزار مشيهم فوق الجمر. وهي ليس لها علاقه بجان متلبس أو غيره وإنما هم يمشون على الجمر بعد أن يكون عليه طبقة من الرماد، وتعزل وصول الحرارة، وإذا دققنا بالملاحظة سنجدهم يمشون على الجمر بعد اشتعاله بفتره طويلة وتغطيته بالرماد، ولكن لم نشاهدهم يمشون على النار وهي مشتعلة، وهذا يزيل كثير من الشكوك حول الوهم الدارج خلف هذه الخرافة المسماة بتلبس الجن للإنس".

ملاحظة: 
هذا المحتوى تم اقتباسه من جريدة الوطن و اعادة تصميمه كمثال للصفحات التفاعلية كأداة في الإعلام الجديد