مع انطلاق مفهوم الصحافة كأحد التخصصات العلمية تحت تصنيف الاتصال والإعلام، لم نكن نتخيل في يومٍ من الأيام أنه يُمكن إضافة “الصوت” كمادة تفاعلية ضمن المحتوى الصحفي أو عند كتابة تقرير صحفي أو قصة استقصائية.
لكن التطور والبحث عن أساليب جديدة كان ضروريًا في ظل الأسلوب القديم لعرض الحوارات الصحفية والذي لم يكن فعالًا بالشكل الكافي لنقل زوايا القصة برُمتها، حيث كان يعتمد بشكلٍ أساسي على نقل ما يتم رصده في اللقاءات، من خلال تفريغه بشكلٍ نصي، وهو ما يفتح الباب في بعض الحالات إلى النقل غير الدقيق للأحداث ومضمون اللقاءات، وكثيرًا ما يؤدي ذلك إلى تغيير في زاوية الحوار.
وفي بداية التسعينات، ومع تطوُّر أجهزة التسجيل الصوتية، جرى استخدامها في اللقاءات الحوارية للعودة إليها كمرجع بعد انتهاء الحوار الصحفي، وتوثيق ما قاله المصدر الصحفي، ورغم ذلك إلا أن عملية الاقتباس ظلت رهن التعديل سواء من الصحفي نفسه أو خلال دورة المحتوى الصحفي بالمؤسسة الصحفية، ومن ثم ظلت المحتويات الصحفية بهذه الصورة حبيسة الفجوة (الصحفي والمؤسسة الصحفية) فيما بين المصدر والمتلقي، وبالتالي افتقرت إلى الثقة التامة التي يتطلع إليها الطرفين.
ومع تقدم العلم والتكنولوجيا، أصبح من الممكن تضمين الحوارات الصحفية في المادة الإخبارية أو التقارير الصحفية الإلكترونية، إلا أنه في أغلب الأحيان كان يتم وضع الصوت كمادة منفصلة، كما حدث في مشروع “Snow Fall” لجريدة “نيويورك تايمز”، وذلك ضمن بشائر الأخبار التفاعلية التي أحدثت نقلة نوعية في الصحافة الإلكترونية، حيث تم استخدام الصوت كمادة مساعدة في نقل الوقائع عبر التسجيلات الصوتية، واتخذت حينذاك نمط المكالمة بين الشخصيات عبر الهاتف.
كان التحدي ألا يتم الخلط بين الراديو -كأحد القنوات الاتصالية- وبين أداة الصوت كمادة يتم استخدمها ضمن مفهوم الإعلام الجديد، فلزم الإشارة إلى أن استخدام أداة الصوت يكون ضمن مواد الصحافة الإلكترونية أو ربما الورقية إذا ما تم استخدام بعض التقنيات المتقدمة في آلية استعراضها ورقيًا، كاستخدام رمز الاستجابة السريع “QR” حتى يَسهُل للقارىء تجربة استخدام الصوت.
وفيما يلي نستعرض معكم بعض نماذج تضمين أداة الصوت كمادة ضمن العمل الصحفي في الصحافة الإلكترونية.
1. أداة الإقتباس الصوتي
في المثال المقابل، تم استخدام الصوت بمفهوم الاقتباس الصوتي، وذلك في تحقيق صحفي قدمته جريدة “نيويورك تايمز” عن امرأة من أفضل المغنيات في منتصف القرن التاسع عشر، قبل أن يختفى تاريخها، وهنا يمكنك من النظرة الأولى للمقال ملاحظة أيقونة هندسية الشكل على هيئة مثلث -وهو في علم تجربة المستخدم يشير إلى المادة الصوتية- يمكنك الضغط عليها وتشيغلها أو إيقافها.
ويسهل على الكثير من المراسلين الصحفيين والمحررين، استخدام الصوت -كأداة اقتباس- حيث يُمكنهم إضافة الصوت ضمن محرر النصوص، كما يسهل على القارىء الاستماع نصيًا للشخص المعني في التسجيل الصوتي، ليس هذا فحسب، بل يُمكن أيضًا تضمين تسجيل حي لإحدى الفعاليات أو المؤتمرات الصحفية، ففي شهر أبريل من عام 2013، أطلق معمل “Knight Lab” -التابع لجامعة نورث إيسترن في ولاية إلينوي- عبر أحد طلابها في مرحلة البكالوريوس أداة إبراز الصوت داخل المحتوى النصي في المحتويات الإلكترونية، من خلال رفع جميع البرمجيات الخاصة بهذه الأداة إلكترونيًا، حيث كان الهدف من هذا المشروع إضافة شعور الواقع الصوتي ضمن المحتويات الإعلامية (inline audio) في التقارير الصحفية، ومع مرور الوقت، ساهم تطور البرمجيات في استخدام الأصوات بطريقة أسهل من برمجتها بالطريقة التقليدية، حيث يمكن عبر بعض التكنيكات استخدام الصوت بدون أي خلفية في لغات البرمجة، وهنا نستعرض لكم بعض الأمثلة:
2. القصة الصوتية
قد يبدو للوهلة الأولى أن القصة الصوتية لا تصلح للصحافة الإلكترونية، حيث يعتقد البعض أن أفضل وسيلة لها هي “الراديو”، ولكني أُحيلك إلى المقطع المقابل لتستمتع من خلال سماعتك بتفاصيل تنقل الصوت بين الجهتين، لتقرر بعدها بنفسك.
يمكنك أن تعيش التجربة كون المقطع المٌقدّم يحتوي على تفاصيل ومؤثرات صوتية غاية في الدقة وكأنك تعيش داخل القصة وأنت بينهم، وهذه هي قوة أداة الصوت إذا ما تم استخدامه بشكل فني وإبداعي في التحقيقات الصحفية.
والآن، ماذا لو كان الصوت هو الأداة التي تقود المحتوى الصحفي لقصة ما؟ هل يمكنك تخيُّل كيف تكون تجربة القارئ عندما يجد الصوت هو أساس العملية الصحفية بدلًا من النصوص؟ قد يبدو الأمر غريبًا نوعًا ما، لكن مع الإمكانيات التقنية الحالية المتوفرة أصبح بإمكان الصحفي المبدع -بالتعاون مع مجموعة من أخصائيي الإنتاج الإعلامي- توفير أرضية مناسبة يستطيع من خلالها كتابة مادته الصحفية معتمدًا بشكلٍ كاملٍ على الصوت.
من خلال الأمثلة أعلاه، يمكننا أن نتخيل كيف يمكن استخدام القصة الصوتية كمُحرك أساسي للمادة الصحفية نفسها؟، وقد يستغرق هذا النوع من الأعمال الصحفية بعض الوقت والجهد والتفكير الإبداعي حتى بناء مادة بالشكل الفني المطلوب والمناسب للرسالة الاتصالية، بالضبط كما هو الحال مع المواد الصحفية النصية، فبعض هذه المواد قد يأخذ ما لا يقل عن شهر من العمل اليومي لإنجازه، كون العمل -في بدايته- جديد على الطاقم الصحفي المكلّف بهذه المهمة، وقد يتطلب بعض من هذه الأعمال الاستعانة بأشخاص مستقلين (Freelancer) لأداء المهمة في بدايات هذا النوع من المشاريع الصحفية داخل المؤسسة الصحفية، إلى أن تنتقل المعرفة إلى الفريق الصحفي مع مرور الوقت.
كما يجب الانتباه إلى أن بعض هذه المشاريع قد تحتاج إلى موسيقى -كخلفية للمعلق الصوتي- أو بعض من المؤثرات الصوتية لبعض اللقطات، وهنا تجدر الإشارة إلى أنه من الضروري شراء بعض حقوق الملكية الفكرية اللازمة لهذا النوع من الإنتاج الإعلامي، سواء من المالك مباشرةً أو من خلال بعض المواقع التي توفر العديد من خيارات الأصوات الفنية بأسعار مختلفة.