كيف تبني الخطة الإستراتيجية الإتصالية؟

عندما تود الذهاب بالسيارة من مدينة الرياض إلى مدينة جدة فإنك تأخذ في عين الاعتبار عدة عوامل أساسية كالوقت والمسافة وغيرها من الأمور المهمة التي تٌمكنك من الوصول إلى الوجهة التي تطمح لها وفي هذه الحالة مدينة جدة. بالإضافة إلى أنك في بعض الأحيان تحتاج إلى تنسيق أو تخطيط مسبق حتى تستطيع الذهاب إلى مدينة جدة كميزانية مالية مخصصة للرحلة من الرياض إلى جدة منها لا الحصر (تكاليف البنزين، تكاليف تأمين حوادث الطريق، تكاليف الأكل وغيرها من التكاليف التي أنت بحاجة لها لتأمين وصولك إلى مدينة جدة في الوقت المناسب). إذا فالتخطيط المبكر للرحلة ستساعد في عوامل كثيرة أهمها هو التركيز على الأهداف الاستراتيجية التي ستساعدنا للوصول إلى الوجهة التي نطمح لها.

عند بناء الخطة الاستراتيجية الاتصالية -الإعلامية- فإنك تساعد في قيادة دفة السفينة إلى المكان التي تطمح له وفق كفاءة وفعالية عالية، وبدون خطة استراتيجية فإنك ستعمل بدون أهداف ولا رؤية واضحة للعمل أو ربما سيكون من الصعب ربط الأنشطة الاتصالية أو المبادرات والمشاريع بأهداف تود من خلالها الحصول على تأثير أو تفاعل مناسب. وأهمية الخطة الاستراتيجية الاتصالية هو ضبط الموارد المالية وضبط الأنشطة الاتصالية المتعلقة بالمؤسسة وطريقة ظهورها وتأثيرها على الجمهور المستهدف. لذا فمن الضروري جداً لأي مؤسسة سواء كانت حكومية أو من القطاع الخاص أو من القطاع الثالث استحداث خطة استراتيجية اتصالية تساعد على ترجمة الخطة التشغيلية أو الخطة الاستراتيجية للمؤسسة إلى واقع يمكن من خلاله الوصول إلى الهدف الأسمى (الرؤية) التي تطمح إلها الجهة.

دراسة الواقع الحالي

قبل بناء الخطة الاستراتيجية الاتصالية فإنه يجب أن يكون هناك مسودتين أساسية دراسة الواقع ودراسة أفضل الممارسات الدولية ويُمكن من خلال هذه المسودتين معرفة أين سنتجه؟ وكيف سنتجه؟ وللإجابة على هذين السؤالين فإنه من الضروري معرفة الوضع الحالي للبنية الاتصالية على مستوى المؤسسة ككل ولا نغفل منها الجوانب اللوجستية والقدرات البشرية والسيولة المالية للجهة. فمن الضروري جداً دراسة الواقع الحالي للمؤسسة ومعرفة مكامن القوة ومكامن الضعف حتى تستطيع أن تتخذ قراراتك وتبني الدوافع والتوجه وفق معلومات وبيانات وليس وفق افتراضات لا أساس لها من الصحة. ولبناء هذه المسودة فإنك بحاجة إلى جمع أكبر قدر من المعلومات وأفضل طرق الحصول على تلك المعلومات عبر الأنشطة الاتصالية الاتية:

زيارة ميدانية

تعتبر من أهم الأنشطة الاتصالية في جمع المعلومات والوقوف على الوضع الحالي للمؤسسة من جميع جوانبها فمن خلالها يمكنك معرفة الإمكانيات المتوفرة لدى المؤسسة سواء كانت استوديو تصوير أو أجهزة المصممين أو مساحة العمل والبيئة الداخلية للمؤسسة

ورش العمل

في بعض المؤسسات قد تحتاج إلى عقد ورشة عمل تجمع بين المدراء التنفيذيين والخبراء وبعض الموظفين للعمل على عدة أنشطة داخل الورشة للحصول على رؤية واضحة لبعض الأمور الصعبة التي لم تتضح لك أثناء دراسة الواقع أو عبر جمع أكبر قدر من ممكن من الرؤى حول الملف الخاص بالمشروع قبل الشروع في بناء الخطة الاتصالية.

الاجتماعات الفردية أو الجماعية

في بعض الأحيان أنت بحاجة إلى عقد اجتماعات بشكل فردي مع المسؤولين التنفيذين أو العاملين في أقسام معينة للحصول على بعض المعلومات أو من خلال عقد اجتماعات جماعية تجمع وصوف وظيفية معينة في طاولة واحدة لمناقشة أو جمع معلومات معينة، مثل الجلوس مع مجموعة المصممين في المؤسسة لمعرفة أهم العوائق لديهم.

استبيانات واستطلاعات رأي

بناء مسودة أسئلة يجيب عليها العاملين في قسم الاتصال والإعلام جانب مهم جداً لمعرفة الإجابات التي لا يمكن الحصول عليها إما بسبب عدد المنسوبين أو بسبب صعوبة الحصول على مصداقية إجابات كون بعض من الموظفين يخشى أن يصرح بها أو من خلالها تستطيع معرفة بعض الجوانب الخفية قبل الشروع في الجلوس مع القيادات وأصحاب المصلحة أو المعنيين في المؤسسة.

دراسة أفضل الممارسات

الاستفادة من تجارب الأخرين هو أفضل وسيلة لبناء أي عمل أو أي مشروع فعلى سبيل المثال إن كنت تملك أرض تود البناء عليه ولديك رغبة في تصميم مسبح داخل محيط المنزل، فإن أفضل استلهام لطريقة بناء المسبح هو معرفة كيف قام جيرانك القريبين من منزلك في بناء مسابحهم. ستجد أن الجار الأول قرر أن يبني مسبحه فوق سطح المنزل في حين أن جارك الأخر قرر أن يبني المسبح في الجهة الخلفية والجار الأخر قرر أن يبني مسبحه داخل صالة المنزل. ليس من الضروري أن تسير وفق الخيارات التي قام بها من سبقوك في نفس السيناريو بل يمكنك أن تُكيف العملية برمتها وفق المعطيات والإمكانيات المتوفرة لديك وباستطاعتك القيام بها. هذا هو الحال أيضاً مع دراسة أفضل الممارسات الخاصة بمشروعك التي تعمل عليه، فمن الضروري جداً العمل على جمع أكبر قدر ممكن من الحالات المشابهة ومعرفة كيف استطاع الأخرون التغلب على هذه المشكلة مع ضرورة أن تضع عصب عينيك أن تلك الممارسات قد لا تكون وفق نفس الظروف التي تعمل عليها أو وفق موارد تستطيع استخدامها. وحتى تكون الدراسة وفق عملية محكمة فإنك من الضروري أن تُضمن في مسودة دراسة أفضل الممارسات على ثلاثة مقارنات معيارية وهي كالتالي:

هنا تود معرفة كيف تدار العمليات الداخلية عند التخطيط أو الإنتاج أو حتى عمليات النشر في العمليات الخارجية ومقارنتها بممارسات شبيهة كيف يتم توزيع الأدوار بين أعضاء فريق العمل وكيف يتم التحقق من جودة المحتويات أو المنتجات التي تعمل عليها الإدارة أو القسم وكيف يتم جمع المعلومات أو الاحتياجات من الأقسام والإدارات الأخرى. من الضروري جداً أن تكون دورة العمل واضحة حتى تستطيع معرفة مكامن القوة ومكامن الضعف لتستطيع من خلال هذه المقارنة رفع من مستوى أداء العمليات الداخلية بما يضمن كفاءة العمل على التوجه الجديد التي تطمح أن تقوده بطريقة فعالة.

إلمامك بالنموذج التشغيلي أو الخطة الاستراتيجية للمؤسسة ستساعدك حتماً لمعرفة كيف تعكسها على خطتك الاستراتيجية الاتصالية فهنا يكمن ضرورة فهم واستيعاب الخطة الاستراتيجية الأساسية للمؤسسة لمعرفة أولوية وضع أو استهداف الأهداف الاستراتيجية والمحاور التي تود أن تكون هي عصب رؤيتك في تنفيذ الخطة الاتصالية مربوطاً بمؤشرات أداء واضحة تعكس مدى تقدمك ومدى أدائك على مستوى تحقيق الأهداف.

إن من أهم نجاح أي عمل اتصالي هو معرفة الأداء الإعلامي وهو أحد المحاور الأربعة الأساسية في عالم الاتصال والإعلام فبدون تأثير لمنتجاتك وأنشطتك الاتصالية فما هي الجدوى من تكرار العملية؟ في هذه المرحلة أنت تود أن تجمع أكبر قدر ممكن من المعلومات لمعرفة الأداء العام لعملياتك التشغيلية فعلى سبيل المثال إن كنت تستهدف الموقع الإلكتروني كقناة اتصال فعالة مع جمهورك المستهدف فعليك أن تجمع جميع المعلومات الممكنة عن الموقع الإلكتروني الحالي على سبيل المثال تقارير تحليلات قوقل للمواقع فعند تحليل هذه البيانات ستعرف بعض المؤشرات التي ستوضح مدى جدوى القناة كمدة جلوس الزائر في الموقع ككل فإن كان المعدل العام للتقرير هو جلوس الزائر أقل من دقيقة فهذا يعني بان المحتوى المطروح في الصفحة أو تجربة المستخدم للموقع سيئة مما أثر على جلوسه أقل من دقيقة هنا تكمن البحث عن ممارسات مشابهة تساعد على بقاء الزائر أطول فترة ممكنة في الموقع الإلكتروني. وعلى نفس النهج في جميع الأنشطة الاتصالية التي تود القيام بها.

عند استهداف الفئات بأنشطة إعلامية وفق خطة اتصالية محكمة
الخطة الاستراتيجية الاتصالية

تعتبر الخطة الاستراتيجية الاتصالية جزء لا يتجزأ من الخطة الاستراتيجية للمؤسسة أو الجهة التي تعمل فيها كأخصائي اتصال كون الخطة الاتصالية تعمل على ترجمة الخطة الاستراتيجية الأساسية للجهة إلى مجموعة من الأنشطة والمنتجات الاتصالية التي ستساعد للوصول إلى الأهداف الاستراتيجية للخطة العامة للمؤسسة. كما يجب أن نعلم جيداً بأن الخطة الاتصالية لا يُمكن حصرها وفق منطوق أو طريقة واحدة في البناء والتنفيذ فهناك العديد من الخيارات لبناء وتنفيذ الخطة الاتصالية بحسب خلفية وخبرات كل أخصائي اتصال وماهي تجاربه في بناء الخطة أو تنفيذها وتطبيقها لكن يجب أن يتفق الجميع بأن هناك مكونات أساسية للخطة الاتصالية تحتوي على (رؤية، محاور أو مرتكزات أساسية، وأهداف استراتيجية لكل محور منبثقة من الخطة الاستراتيجية العامة للمؤسسة) وسنفصل هذه المكونات في السطور القادمة. قبل البدء في بناء الخطة الاتصالية يجب أن تضع نصب عينك ما توصلت إليه في مسودة دراسة الواقع ومسودة أفضل الممارسات كونها هي عصب العملية الاستراتيجية التي تود أن تركز بشكل أكبر في جميع أهدافك الاستراتيجية للمرحلة القادمة، فأغلب الخطط الاستراتيجية تُبنى لتصحيح سلوك معين تتخذه الجهة في أدائها العام وتطمح لتغيره في المستقبل. هنا نستعرض لكم المكونات الأساسية لأي خطة استراتيجية اتصالية:

المكون الأول: الرؤية

لكل خطة وجهة تطمح إليها الجهة عبر ما يسمى “الرؤية” وهو المستوى المأمول أو الطموح الذي نود أن نصل إليه يوماً ما بعد تنفيذ الخطة. فعلى سبيل المثال هنا قائمة بالرؤية من أجهزة عديدة بالدولة ومؤسسات القطاع الخاص

"السعودية، العمق العربي والإسلامي. قوة استثمارية رائدة. ومحور ربط للقارات الثلاث."
"تحقيق موقع ريادي لقطاع التجارة السعودية في بيئة عادلة ومحفّزة."
"أن نتبوأ المركز الأول اقليميا في تقديم خدمات جمركية متميزة لتصبح المملكة منصة لوجستية عالمية."
"نسعى لتكون منتجاتنا الخيار المفضل للمستهلك من خلال ريادتنا في الأسواق المستهدفة وتقديمنا لأطعمة ومشروبات مميزة."

وبالنظر إلى هذه الرؤى المختلفة لكل جهة أو مشروع فإننا نرى بأنها الوضع المستهدف المأمول الذي يطمح قادته الوصول إليه خلال مدة زمنية معينة ويمكن وصف الرؤية بانها الصورة المستقبلية التي تطمح أو تتطلع المؤسسة أو الجهة الوصول إليها وتغير الوضع الحالي إلى الوضع المأمول. ويمكن صياغة الرؤية عبر طرح العديد من الأسئلة الجوهرية المستقبلية كالتوجه الذي تطمح إليه المؤسسة أو التأثير التي تطمح إليه المؤسسة أو غيرها من الأمور المستقبلية، لذا فإن من الضروري عند صياغة الرؤية أن تكون العبارات واضحة بدون تأويل ويستطيع أي شخص قراءتها وتخيل المستقبل بدون أي تعقيدات لغوية كما يجب أن تكون صياغة الرؤية طموحة وتصف المستقبل الذي تطمح الوصول إليه الجهة أو المؤسسة.

المكون الثاني: المحاور أو الركائز

وحتى نضمن للوصول إلى الرؤية التي نطمح لها، فإن لكل رؤية محاور أو ركائز أو مرتكزات استراتيجية تختلف من رؤية إلى أخرى بحسب الظروف والاحتياجات الخاصة بكل رؤية فعلى سبيل المثال فإن الرؤية هو الوصول إلى مدينة جدة من مدينة الرياض عبر السيارة فالمحاور الأساسية التي تعتمد عليها هذه الرؤية على سبيل المثال (المحور الأول: الوقت، المحور الثاني: المسافة، المحور الثالث: التكاليف المادية) هذه المحاور ستساعدنا حتماً للوصول إلى الرؤية التي نطمح لها. إذا فلكل رؤية عدة محاور غالباً لا تقل عن محورين أساسية كحد أدنى ولا تزيد عن ستة محاور كحد أقصى، تبنى هذه المحاور كمؤثرات تساعد بشكل صريح على مسار تحقيق الرؤية. وبالعودة إلى مثال الرؤية فسنستخدم على سبيل المثال رؤية وزارة التجارة لسنة 2019 – 2021م

والتي نصت على “تحقيق موقع ريادي لقطاع التجارة السعودية في بيئة عادلة ومحفّزة.” والتي ارتكزت على محورين أساسية وهي:

حيث رأى الخبراء والتنفيذيون بما فيهم الوزير بعد جولة من ورش العمل والاجتماعات مع أصحاب المصلحة بما فيهم التجار والمستهلكين ودراسة لأفضل الممارسات العالمية ودراسة الوضع الحالي للوزارة بأن هذه المحورين هما لُب العملية الاستراتيجية لتحقيق الرؤية التي يطمحون إليها مع العلم بأن المسودة الأساسية تضمن ثلاث محاور أساسية استبعد المحور الثالث وهو محور – استثمار راسخ- بعد القرار الملكي بإنشاء وزارة الاستثمار.

المكون الثالث: الأهداف الاستراتيجية

وحتى نضمن أداء فعال للخطة فإن لكل محور يجب أن يتضمن بما لا يقل عن ثلاثة أهداف استراتيجية تضمن سلوك إيجابي مستدام لتحقيق المحور العام والذي يمكن من خلال هذه الأهداف قياس مؤشر الأداء والذي يساعد في معرفة جوانب كثيرة منها المدخلات والعمليات والمخرجات لكل هدف ويما يحقق شفافية لمعرفة مدى تقدم كل هدف نحو الرؤية التي نطمح لها في الجهة التي نعمل عليها. وبالرجوع لخطة وزارة التجارة فسنجد أن لكل محور من محاور الرؤية الخاصة بخطة 2019-2021م كما هو الاتي:

مقالات اخرى: